كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



المثال التاسع والعشرون: إذا كان لكل من الرجلين عروض، وأرادا أن يشتركا فيها شركة عنان، ففى ذلك روايتان:
إحداهما: تصح الشركة. وتقوم العروض عند العقد، ويكون قيمتها هو رأس المال. فيقسم الربح على حسبه، أو على ما شرطاه. وإذا أرادا الفسخ رجع كل منهما إلى قيمة عروضه، واقتسما الربح على ما شرطاه، وهذا القول هو الصحيح.
والرواية الثانية: لا تصح إلا على النقدين، لأنهما إذا تفاسخا الشركة، وأراد كل منهما الرجوع إلى رأس ماله، ويقتسما الربح، لم يعلم ما مقدار رأس مال كل منهما إلا بالتقويم، وقد تزيد قيمة العروض وتنقص قبل العمل، فلا يستقر رأس المال.
وأيضًا فمقتضى عقد الشركة: أن لا ينفرد أحد الشريكين بربح مال الآخر، وهذه الشركة تفضى إلى ذلك، لأنه قد تزيد قيمة عرض أحدهما، ولا تزيد قيمة عرض الآخر، فيشاركه من لم تزد قيمة عروضه. وهذا إنما يصح في المقومات كالرقيق، والحيوان، ونحوهما. فأما المثليات، فإن ذلك منتف فيها، ولهذا كان الصحيح عند من منع الشركة بالعروض: جوازها بالمثليات. فالصحيح: الجواز في الموضعين. لأن مبنى عقد الشركة على العدل من الجانبين، وكل من الشريكين متردد بين الربح والخسران، فهما في هذا الجواز مستويان. فتجويز ربح أحدهما دون الآخر في مقابلة عكسه، فقد استويا في رجاء الغنم وخوف الغرم، وهذا هو العدل، كالمضاربة، فإنه يجوز أن يربحًا، وأن يخسرًا، وكذلك المساقاة والمزارعة.
وطريق الحيلة في تصحيح هذه المشاركة، عند من لا يجوزها بالعروض: أن يبيع كل منهما بعض عروضه ببعض عروض صاحبه، فإذا كان عَرضَ أحدهما يساوى خمسة آلاف، وعرض الآخر يساوى ألفا، فيشترى صاحب العرض الذي قيمته خمسة آلاف من صاحبه خمسة أسداس عرضه الذي يساوى ألفا بسدس عرضه الذي يساوى خمسة آلاف، فإذا فعلا ذلك صارا شريكين، فتصير للذى يساوى متاعه ألفا سدس جميع المتاع. وللآخر خمسة أسداسه. أو يبيع كل منهما صاحبه بعض عرضه بثمن مسمى، ثم يتقابضان فيصير مشتركًا بينهما، ثم يأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف، فما حصل من الربح يكون بينهما على ما شرطاه عند أحمد، وعلى قدر رءوس أموالهما عند الشافعى، والخسران على قدر المال اتفاقًا.
المثال الثلاثون: إذا تزوجها على أن لا يخرجها من دارها أو بلدها، أو لا يتزوج عليها، ولا يتسرى عليها، فالنكاح صحيح. والشرط لازم. هذا إجماع الصحابة رضي الله عنهم، فإنه صح عن عمر، وسعد، ومعاوية، ولا مخالف لهم من الصحابة. وإليه ذهب عامة التابعين وقال به أحمد.
وخالف في ذلك الثلاثة، فأبطلوا الشرط ولم يوجبوا الوفاء به.
فإذا احتاجت المرأة إلى ذلك، ولم يكن عندها حاكم يرى صحة ذلك ولزومه، فالحيلة لها في حصول مقصودها: أن تمتنع من الإذن، إلا أن تشترط بعد العقد أنه إن سافر بها، أو نقلها من دارها، أو تزوج عليها فهى طالق، أو لها الخيار في المقام معه، أو الفسخ. فإن لم تثق به أن يفعل ذلك، فإنها تطلب مهرًا كثيرًا جدًّا، إن لم يفعل، وتطلب ما دونه إن فعل، فإن شرط لها ذلك رضيت بالمهر الأدنى، وإن لم يشرط ذلك طالبته بالأعلى، وجعلته حالًا، ولها أن تمنع نفسها حتى تقبضه، أو يشرط لها ما سألته.
فإن قيل: فعلى أي المهرين يقع العقد؟
قيل: يقع على المهر الزائد، لتتمكن من إلزامه بالشرط.
فإن خاف أن يشرط لها ما طلبت، ويستقر عليه المهر الزائد، فالحيلة: أن يشهد عليها أنها لا تستحق عليه بعد الاشتراط شيئًا من المبلغ الزائد على الصداق الأدنى، وأنها متى ادعت به فدعواها باطلة، فيستوثق منها بذلك، ويكتب هو الشرط، ولها أن تطالب بالصداق الزائد، إذا لم يف لها بالشرط، لأنها لم ترض بأن يكون الأدنى مهرًا إلا في مقابلة منفعة أخرى تسلم لها، وهى المقام في دارها، أو بلدها، أو يكون الزوج لها وحدها، وهذا جار مجرى بعض صداقها. فإذا فاتها فلها المطالبة بالمهر الأعلى.
المثال الحادى والثلاثون: إذا زوج ابنته بعبده صح النكاح، فإن حضره الموت فخاف هو، أو المرأة، أن ترث جزءا منه، فينفسخ النكاح.
فالحيلة في بقائه: أن يبيع العبد من أجنبى، فإن شاء قبض ثمنه، وإن شاء جعله دينا في ذمته، يكون حكمه حكم سائر ديونه، فإذا ورثت نصيبها من ثمنه، لم ينفسخ نكاحها. وإن باع العبد من أجنبى قبل العقد، ثم زوجه الابنة، أمن هذا المحذور أيضًا.
وكذلك إذا أراد أن يزوج أمته بابنه، وخاف أن يموت فيرث الابن زوجته، فينفسخ النكاح، باعها من أجنبى، ثم زوجها الابن، أو يبيعها من الأجنبى بعد العقد.
المثال الثانى والثلاثون: إذا أحاله بدينه، وخاف المحتال أن يبور ماله عند المحال عليه، وأراد التوثق لماله.
فالحيلة في ذلك، أن يقول: لا تحلنى بالمال، لكن وكلنى في المطالبة به، واجعل ما أقبضه في ذمتى قرصًا، فييرآن جميعًا بالمقاصة. فإن خاف المحيل أن يهلك المال في يد الوكيل قبل اقتراضه، فيرجع عليه بالدين.
فالحيلة له: أن يقول للمحال عليه: اضمن عنى هذا الدين لهذا الطالب، فيضمنه فإذا قبضه قبضه لنفسه. فإن امتنع المحال عليه من الضمان احتال الطالب عليه على أنه إن لم يوفه حقه إلى وقت كذا وكذا، فالمحيل ضامن لهذا المال، ويصح تعليق الضمان بالشرط. فإن وفاه المحيل عليه وإلا رجع إلى المحال، وأخذه بالمال.
المثال الثالث والثلاثون: إذا كان له دين على رجل فرهنه به عبدًا، فخاف أن يموت العبد، فيحاكمه إلى من يرى سقوط الدين بتلف الرهن.
فالحيلة في تخليصه من هذا المحذور: أن يشترى العبد منه بدينه، ولا يقبض العبد فإن وفاه دينه أقاله في البيع. وإن لم يوفه الدين طالبه بالتسليم، وإن تلف العبد كان من ضمان البائع، ورجع المشترى إلى دينه الذي هو ثمنه.
المثال الرابع والثلاثون: إذا كان له عليه دين، فرهنه به رهنا، ثم خاف أن يستحق الرهن فتبطل الوثيقة.
فالحيلة فيه: أن يضمن دينه لمن يخاف منه استحقاق الرهن. فإذا استحقه عليه طالبه بالمال، أو يضمنه درك الرهن، أو يشهد عليه أنه لا حق له فيه. ومتى ادعى فيه حقًا فدعواه باطلة.
المثال الخامس والثلاثون: إذا كان له عليه مائة دينار خمسون منها بوثيقة، وخمسون بغير وثيقة، وجحده الغريم القدر الذي بغير وثيقة.
فالحيلة له في تخليص ماله: أن يوكل رجلًا غريبًا بقبض المال الذي بالوثيقة. ويشهد على وكالته علانية، ثم يشهد شهودا آخرين: أنه قد عزله عن الوكالة، ثم يطالب الوكيل المطلوب بذلك المال، ويثبت شهود وكالته. فإذا قبض الخمسين دينارًا دفعها إلى مستحقها وغاب، ثم يطالبه المستحق بهذه الخمسين. فإن قال: دفعتها إلى وكيلك. أقام البينة أنه كان قد عزله عن الوكالة، فيلزمه الحاكم بالمال، ويقول له: اتْبَعِ القابض، فخذ مالك منه. فإن كان الغريم حذرا لم يدفع إلى الوكيل شيئًا خشية مثل هذا. ويقول: لا أدفع إليك إلا بحضرة الموكل وإقراره أنك وكيله، فتبطل هذه الحيلة.
المثال السادس والثلاثون: إذا حضره الموت، ولبعض ورثته عليه دين، وأراد تخليص ذمته. فإن أقر له به، لم يصح إقراره، وإن وصى له به، كانت وصية لوارث.
فالحيلة في خلاصه: أن يواطئه على أن يأتى بمن يثق به، فيقر له بذلك الدين، فإذا قبضه أوصله إلى مستحقه، فإن خاف الأجنبى أن يلزمه الحاكم أن يحلف أن هذا الدين واجب لك على الميت، ولم تبرئه منه، ولا من شيء منه لم يجز له أن يحلف على ذلك. وانتقلنا إلى حيلة أخرى، وهى أن يقول له المريض: بع دارك، أو عبدك من وارثى، بالمال الذي له على فيفعل. فإذا لزمته اليمين بعد هذا حلف على أمر صحيح، فإن لم يكن له ما يبيعه إياه وهب له الوارث عبدا أو أمة، فقبضه، ثم باعه من الوارث بالدين على الميت.
المثال السابع والثلاثون: إذا نكح أمة، حيث يجوز له نكاح الإماء، وخاف أن يسترق سيدها ولده.
فالحيلة في ذلك: أن يسأل سيد الأمة أن يقول: كل ولد تلده منك فهو حر. فإذا قال فما ولدته منه فهم أحرار.
المثال الثامن والثلاثون: إذا قال لامرأته: إن سألتنى الخلع، فأنت طالق ثلاثًا إن لم أخلعك. وقالت المرأة: كل مملوك لها حر، إن لم أسألك الخلع اليوم.
فسئل أبو حنيفة عنها فقال للمرأة: سليه الخلع، فقالت: أسألك أن تخلعنى. فقال للزوج: قل خلعتك على ألف درهم، فقال ذلك. فقال أبو حنيفة للمرأة قولى: لا أقبل. فقالت: لا أقبل، فقال أبو حنيفة: قومى مع زوجك، فقد بر كل منكما في يمينه.
المثال التاسع والثلاثون: سئل أبو حنيفة عن أخوين تزوجًا أختين، فزفت امرأة كل واحد منهما إلى الآخر، فوطئها، ولم يعلموا بذلك حتى أصبحوا، فقيل له: ما الحيلة في ذلك؟ فقال: أكل منهما راض بالتى دخل بها؟ قالوا: نعم، فقال: ليطلق كل واحد منهما امرأته طلقة، ففعلا، فقال: ليتزوج كل منهما المرأة التي وطئها، فطابت أنفسهما.
المثال الأربعون: إذا كان لرجل على رجل مال وللذى عليه المال عقار، فأراد أن يجعل عقاره في يد غريمه يستغله، ويقبض غلته من دينه جاز ذلك، لأنه توكيل له فيه، فإن خاف الغريم أن يعزله صاحب العقار عن الوكالة.
فالحيلة: أن يسترهنه منه ويستديم قبضه، ثم يأذن له في قبض أجرته من دينه، ولو لم يأذن له فله أن يقبضها قصاصًا.
وله حيلة أخرى: أن يستأجره منه بمقدار دينه، فما وجب له عليه من الأجرة سقط من دينه بقدره قصاصًا.
المثال الحادى والأربعون: إذا كان له جارية فأراد وطأها، وخاف أن تحبل منه فتصير أم ولد، لا يمكنه بيعها.
فالحيلة: أن يبيعها لأبيه، أو أخيه، أو أخته، فإذا ملكها سأله أن يزوجه إياها فيطأها بالنكاح، ويكون ولده منها أحرارا يعتقون على البائع بالرحم، وهذا إذا كان ممن يجوز له نكاح الإماء، بأن لا يكون تحته حرة عند أبى حنيفة. أو يكون خائفًا للعنت عادمًا لطَوْل حرة، عند الجمهور.
المثال الثانى والأربعون: إذا بانت منه امرأته ببينونة صغرى، وأراد أن يجدد نكاحها فخاف إن أعلمها لم تتزوج به، فله في ذلك حيل:
إحداها: أن يقول: قد حلفت بيمين، ثم استفتيت، فقيل لى: جدد نكاحك، فإن كانت قد بانت منك عاد النكاح، وإلا لم يضرك. فإن كان لها ولى جدد نكاحها، وإلا فالحاكم أو نائبه.
ومنها: أن يظهر أنه يريد سفرًا، وأنه يريد أن يجعل لها شيئًا من ماله، وأن الاحتياط أن يجعله صداقًا بعقد يظهره.
ومنها: أن يظهر مرضًا، وأنه يريد أن يقر لها بمال، أو يوصى لها به، وأن ذلك لا يتم. والأحوط أن أظهر عقد نكاح وأجعل ذلك صداقًا فيه.
فإن قيل: إذا بانت منه ملكت نفسها، ولم يصح نكاحها إلا برضاها، ولعلها لو علمت الحال لم ترض بالنكاح الثانى.
قيل: رضاها بتجديد العقد للغرض الذي يريده يتضمن رضاها بالنكاح، وهى لو هزلت بالإذن صح إذنها وصح النكاح، مع أنها لم تقصده كما لو هزل الزوج بالقبول صح نكاحه، وهاهنا قد قصدت بقاء النكاح، ورضيت به، فهو أولى بالصحة.
فإن قيل: فالرجل قاصد إلى النكاح، والمرأة غير قاصدة له؟
قيل: بل قصدت إلى تجديد نكاح يتم به غرضها، فلم تخرج بذلك عن القصد والرضا.